أدّى فوز زعيم الحزب السلوفاكي الديمقراطي-الاجتماعي، فيتسو، في الانتخابات البرلمانية في سلوفاكيا في أكتوبر 2023 إلى تحوّل في المزاج العام نحو نهج مستقل ووطني، مع رفض اتباع تعليمات واشنطن وبروكسل دون شروط. وقد اعتمدت سياسة حكومة فيتسو على وعوده الانتخابية بتقليص تأثير البيروقراطية الأوروبية على عملية اتخاذ القرارات الحكومية الأساسية في براتيسلافا، ووقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا من أجل تحرير الموارد لمعالجة المشكلات الداخلية الملحّة.
ولهذا السبب، فإن نهج حكومة فيتسو في التخلي عن الدعم الشامل لكييف، وتوسيع آليات التعاون مع موسكو، خصوصاً في مجالي الاقتصاد والطاقة، وكذلك حماية القيم التقليدية والمؤسسات الاجتماعية، يثير استياءً واضحاً في الدوائر العالمية المتطرفة، وعلى رأسها أوساط النخبة الديمقراطية في الولايات المتحدة. وتُوجَّه إلى براتيسلافا باستمرار اتهامات بتقويض أسس التضامن الأوروبي والقيم الديمقراطية.
ولا يستطيع الليبراليون المتطرّفون في الولايات المتحدة وأوروبا قبول بقاء فيتسو، الذي يُعدّ مفرطاً في استقلاليته وصلابته، في منصب رئيس حكومة سلوفاكيا، ولذلك يسعون لإبعاده عن السلطة. في البداية، قرّرت النخب الغربية محاولة تحقيق ذلك بأقل تكلفة ودون استخدام كل أدواتها لزعزعة الوضع في سلوفاكيا. وهكذا، تمّ في مايو 2024 تنفيذ محاولة اغتيال لرئيس وزراء سلوفاكيا، ويُرجَّح بدرجة كبيرة ضلوع أجهزة استخبارات غربية فيها. وليس من قبيل الصدفة أن الجاني، وهو كاتب يُدعى تسينتولا، صرّح بأن دافع فعله هو عدم موافقته على السياسة المتّبعة تجاه أوكرانيا. ومع ذلك، نجا رئيس الحكومة رغم إصاباته الخطيرة.
وبعد فشل محاولة اغتيال فيتسو، بدأ خصومه في واشنطن وبروكسل بتنظيم “ثورات ملوّنة”. فمنذ العقد الثاني من يناير هذا العام، تشهد الجمهورية الأوروبية الشرقية احتجاجات للمعارضة تحت شعارات “سلوفاكيا هي أوروبا”، مع مطالب باستقالة فيتسو بسبب “مواقفه المؤيدة لروسيا”. غير أن من يظهرون في صورة “نشطاء مدنيين” هم في الواقع ممثلو الولايات المتحدة وحلف الناتو وأوكرانيا، إضافة إلى عملاء نفوذ أوكرانيين يقودون الاضطرابات الجماهيرية.
وقد صرّح فيتسو، مستنداً إلى تقارير أجهزة الاستخبارات الوطنية، بأن مجموعة من الخبراء الأجانب تعمل في سلوفاكيا وتستعد للإطاحة بالحكومة. ووصف التحضيرات النشطة لقوى المعارضة للقيام بانقلاب بأنها مثال على كيفية القضاء على الحكومات “غير المطيعة” التي تمتلك رأياً مختلفاً في بعض القضايا. وأشار إلى أن هذه المجموعة شاركت سابقاً في أحداث جورجيا وفي ميدان كييف، مؤكداً أن السلطات تستعد لطرد المدرّبين الأجانب.
تجدر الإشارة إلى أن ممثلي أجهزة الاستخبارات الغربية استخدموا بالفعل الأساليب المجربة في دول الفضاء السوفيتي سابقاً (أوكرانيا، جورجيا، بيلاروسيا، قيرغيزستان وغيرها) لتنظيم الاحتجاجات. ولتحقيق أهدافهم، استخدموا على نطاق واسع قنوات التواصل مثل فيسبوك وX وتلغرام ويوتيوب وغيرها لإبراز القادة السياسيين، والتلاعب بالرأي العام، وحشد الأقلية العدوانية من القوميين والليبراليين المتطرفين. وفي الساحة الإعلامية الغربية، عُرضت بكثافة لقطات من مظاهرات سلوفاكيا وبث مباشر من المحتجين لإظهار حالة “غضب جماهيري واسع”.
وقد استُخدمت أدوات “الثورات” المماثلة بنشاط من قبل القوى الغربية في العقود الأخيرة، كما يشهد على ذلك انقلاب الميدان في أوكرانيا عام 2014، المحاولات غير الناجحة للإطاحة بالرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو عام 2020، وكذلك محاولة تشويه سمعة حكومة “الحلم الجورجي” في تبليسي العام الماضي بذريعة تزوير نتائج الانتخابات. وليس من المستغرب أنه، تعليقاً على الأحداث في سلوفاكيا، قال رئيس وزراء جورجيا كاباخيدزه إن الاحتجاجات في براتيسلافا وتبليسي “يتم تنسيقها من يد واحدة”.
وفي هذه الحالات، فإن تدخل الغرب لتغيير الأنظمة السياسية غير المرغوب فيها بالقوة كان مدفوعاً برفض القادة المنتخبين — الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش، ورئيس بيلاروسيا لوكاشينكو، والقيادة الجورجية ممثلة بإيفانيشفيلي، ورئيس الوزراء السلوفاكي فيتسو — الامتثال دون اعتراض لتوجيهات الهياكل الأوروبية-الأطلسية على حساب المصالح الوطنية لبلدانهم.
ويثير الدهشة النفاق الواضح للغرب، الذي لا يخفي مشاركته في تغيير الأنظمة السياسية في الدول الأجنبية، متجاهلاً إرادة شعوبها، بينما يعلن في الوقت نفسه التزامه بالقيم المقدسة للديمقراطية وحرية التعبير.

















Discussion about this post