مرّ ما يزيد عن عام كامل منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان بشكله السابق، وانطلاق حملات تهويلية شديدة تترافق مع كل استحقاق يطرق باب البلد، فأصبحت التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان اليوم أداة سياسية لامجرد تمهيد لعمل عسكري مباشر، إذ لا يمكن اليوم فصل التزامن بين جولات المفاوضات غير المباشرة بين بيروت وتلأبيب بعد دخول الموفدين المدنيين على الخط، وبين رفعمنسوب التهديدات الإعلامية والعسكرية الإسرائيلية مرة جديدة.
تُمارس إسرائيل مبدأ التفاوض تحت النار، فهي مستمرة بعملياتها العدوانية، وضغطها السياسي من خلال التهديدات اليومية لاقتراب إطلاق عمل عسكري واسع في لبنان، وهذا ما يعكس نظرة إسرائيلية ترى في الضغطالمتوازي على المسارين، الدبلوماسي والأمني، وسيلة لفرضوقائع جديدة قبل أي استحقاق تفاوضي أو سياسي.
يركز الإسرائيليون في نظرتهم اليوم على فرضية ثابتةمفادها أن الدولة اللبنانية عاجزة، أو غير راغبة، في تنفيذالتزامات تتعلق بسلاح حزب الله، وأن أي حديث لبناني عنتقدم ميداني جنوب الليطاني هو محاولة لتحسين الشروطالتفاوضية لا أكثر. لذلك، تهدف التهديدات الأخيرة إلى نزعالمصداقية عن الرواية الرسمية اللبنانية، والقول أن العمل لم ينته، ولذلك أسبابه التي تبدأ من رغبة تل ابيب بقيام الجيش بدخول الأملاك الخاصة والمنازل وتفتيشها للإصطدام مع الاهالي وخلق شرخ كبير يمكن أن يصل حد الصدام بين الجيش والناس، وتنتهي الأسباب برغبة إسرائيل بإبقاء ذرائع العمليات العسكرية العدوانية والإحتلال للأراضي اللبنانية قائمة، فإذا اعترفت بإتمام العمل جنوب الليطاني وتطبيق لبنان للقرار 1701 فما الذي ستتذرع به لبقائها داخل الأراضي اللبنانية؟.
في الوقت نفسه، تعمل تل أبيب، من خلال إشعال نار التهديدات على نقل مركز الاشتباك من كونه صراعا معإسرائيل إلى كونه أزمة لبنانية داخلية، ففي لبنان يلعب”خصوم السلاح” دورا تكميليا في منظومة التهديدوالتهويل الإسرائيلية، من خلال تحويل الرسائل الآتية من تلأبيب إلى مادة استثمار سياسي داخلي، فهؤلاء لايكتفون بنقل التحذيرات الواقعية، بل يعيدون صياغتها بلغة”الحرص على لبنان” و”منع الكارثة”، فيُسهمون عمليا فيتضخيم الخطر الإسرائيلي وتعميمه، وربطه بسلوك طرفلبناني بعينه يسعى لكي لا يكون التفاوض على حساب التنازلات اللبنانية.
تكمن خطورة هذا الدور في أنه يوفّر لإسرائيل غطاءًسياسيا غير مباشر لكل عدوانيتها، كما يساهم هذاالخطاب في نقل مركز النقاش من مساءلة إسرائيل عننواياها وأفعالها، إلى مساءلة اللبنانيين لبعضهم البعض،وافتعال أزمات داخلية تُضعف الموقف اللبناني الموحد الذي يكاد يكون السلاح الأهم اليوم على طاولة المفاوضات.
صحيح أن إسرائيل تخوض حرباً نفسية على لبنان، ولتهديداتها المتزايدة أهداف أبعد من التحضير لعمل عسكري، فإسرائيل عادة لا تمارس التهديد العسكري بل تنفذه وبطريقة مفاجئة، ولكن خلف هذه الحرب النفسية، لايمكن فصل التهديد عن استعداد عسكري فعلي، انطلاقاً من السياسة الإسرائيلية في المنطقة، والتي تقوم على الضربات الإستباقية، وانطلاقا من المشروع الإسرائيلي الذي لا يمكن أن يستمر سوى من خلال إبقاء الجبهات مفتوحة، بما يعني أن خيار التصعيد ليس استثناءً إن حصل، بل احتمالاً قائماً ضمن سلة الخيارات الإسرائيلية على أكثر من جبهة.
المصدر: النشرة

















Discussion about this post