في مدرسة سياسية وفكرية وقفت تاريخياً مع القضية الفلسطينية، تبرز مواقف وليد جنبلاط كراية وعلم في مدرسة لا تعتبر فلسطين قضية عابرة، بل عنواناً أساسياً للنضال رغم كل التقلبات السياسية. وفي زمن التحوّلات الكبرى الداخلية والخارجية، لم يتخل وليد جنبلاط عن موقفه الداعم للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، وحقه في العودة والمقاومة من أجل الخلاص من الاحتلال، ويؤكد دائماً في تصريحاته وتغريداته على مركزية القضية الفلسطينية، ويعلن رفض التطبيع من منطلق سياسي وأخلاقي، وإدراك استراتيجي لمعنى الصراع.
يؤكد وليد جنبلاط في كثير من مواقفه بأن التناقض الحقيقي ليس بين الدولة والمقاومة، بل بين الاحتلال والحرية والسيادة والكرامة، وأن المقاومة وفلسطين هما خيار استراتيجي ما دام الاحتلال قائماً، وأن أي مشروع سياسي لا يضع فلسطين في صلب أولوياته، ولا يعترف بحق الشعوب في مقاومة الظلم، هو مشروع ناقص وفاقد للشرعية والمعنى.
منذ بداية معركة «طوفان الأقصى» وحرب الإبادة على قطاع غزة، حدّد وليد جنبلاط بوضوح اتجاه البوصلة، وأعلن وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته في فلسطين، ومع جبهات الإسناد الداعمة لها، مرسخاً موقفاً له بُعد وطني وعربي وإنساني بمواجهة العدوان الإسرائيلي ومخططاته التي تؤجج خطاب التقسيم والفتن في إطار مشروع الهيمنة والسيطرة والتفتيت، وغير مرة أكد رفض الاستسلام والتطبيع مع كيان الاحتلال، باعتباره كان وسيبقى جسماً غريباً جاثماً بقوة الاحتلال على الأرض العربية.
تتقاطع مواقف وليد جنبلاط تجاه القضية الفلسطينية مع مواقف «حزب الله» الذي قدّم أغلى التضحيات دفاعاً عن الشعب الفلسطيني ومقاومته وحقوقه المشروعة. وهذا التقاطع يفرض وبشكل حاسم التوجّه نحو علاقة استراتيجية ما بين وليد جنبلاط وحزب الله لمواجهة كل التحدّيات المصيرية والمرتبطة بالعدوان الإسرائيلي المستمرّ، بعيداً عن أي اختلاف بالرأي حول بعض القضايا غير الجوهرية، والبحث المشترك في كيفية دعم قضية فلسطين والمقاومة كضرورة تاريخية ومستقبلية، وليس فقط كخيار ظرفي تقتضيه الظروف، لأن لبنان كان وما يزال في قلب استهدافات المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي في فلسطين والمنطقة. فالحرب في غزة، وإن توقّفت ظاهرياً، الإبادة فيها مستمرة، عبر القتل والتجويع والحصار، والعدوان كذلك مستمر في الضفة الغربية ولبنان.
وبما أن الأوضاع في فلسطين ولبنان وعموم المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات، فإن التقارب والتلاقي هو أكثر من ضرورة لدعم فكر وثقافة الصمود والمقاومة لمواجهة الاحتلال. كما يمكن لهذا التقارب الاستناد إلى خيار سياسي من عناوينه الرئيسية فلسطين؛ فهي خيار متجذر في الميدان والذاكرة السياسية المليئة بالكثير من المحطات والمواقف النضالية المشتركة في الطريق إليها، هذا الطريق الذي تعمّد بدماء الشهداء في لبنان، في كل المراحل.
والعدوان الإسرائيلي، والضغوط المستمرة على لبنان ومقاومته التي تدافع عن لبنان، وتدعم فلسطين إسناداً وموقفاً، تفرض أن يتم إعلاء صوت المواقف التاريخية والاستثنائية في وجه تيار عارم وأوضاع صعبة. وهذا ما يفعله وليد جنبلاط عند المفترقات الخطيرة والصعبة، وهو الذي يعلم أكثر من غيره أن التاريخ لا يرحم المتخاذلين، ولا يسجّل إلا المواقف الصحيحة والشامخة.
* كاتب فلسطيني
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية

















Discussion about this post